من رحمة الله عز وجل بعباده الصالحين في يوم القيامة أنه لم يتركهم عطشى يعانون الظمأ ، بل أكرمهم بحياض يشربون منها ، فجعل لكل نبي من الأنبياء حوضا يشرب منه أتباعه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة ) رواه الترمذي وصححه الألباني . ومن أعظم تلك الحياض حوض النبي صلى الله عليه وسلم ، المسمى الكوثر ، قال تعالى : { إنا أعطيناك الكوثر} ( الكوثر : 1 ) والكوثر في كلام العرب الخير الكثير ، وقال صلى الله عليه وسلم : عندما نزلت عليه هذه السورة : ( أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير ، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء .. ) رواه مسلم . وجاء في صفة هذا الحوض أنه يصب من الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( يشخب - أي يسيل - فيه - أي في الحوض - ميزابان - أي قناتان يجري فيهما الماء - من الجنة ) واه مسلم ، ومن صفته أيضاً أن طوله مسيرة شهر ، وماؤه أشدُّ بياضاً من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكؤوسه كعدد نجوم السماء من شرب منه فلا يظمأ أبدا ، كما روى ذلك البخاري .
وقد خصَّ الله عز وجل الشرب من ذلك الحوض بعباده المؤمنين ، فقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( أنا فَرطُكُم - أي أتقدمكم - على الحوض فمن ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا . ليردنَّ علي أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم فأقول : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما بدلوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي ) . فالحديث صريح في أنه لا يشرب من حوضه صلى الله عليه وسلم إلا المؤمنون ، أما من بدل دينه فإنه يطرد ويدعى عليه بالسحق والإبعاد . والحديث يدل أيضا على أن موضع الحوض قبل الصراط ، إذ إن من مرَّ على الصراط كان من أهل الجنة ، فلو كان الحوض بعد الصراط لامتنع أن يطرد أحد عنه .
هذا هو الحوض ، وتلك هي صفته ، وهو كرامة من الله لعباده الصالحين في ذلك اليوم الذي يشتد فيه العطش ، ويعظم فيه البلاء . نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من واردي حوض نبينا صلى الله عليه وسلم ، وأن يسقينا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .
المصدر :