ولما كان من قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس"([1]) ، فلا شك أننا نأخذ منه ، أن نفع الناس إنما يكون بتعليمهم بما هم له جاهلون ، أو بتذكيرهم بما هم عنه غافلون.
ومن هذا القبيل أن نعلم ما هي عورة المرأة المسلمة بالنسبة للمرأة المسلمة.
فإن من المذكور في بعض الكتب الفقهية: أن عورة المرأة أمام المرأة المسلمة ، هي كعورة الرجل مع الرجل ، أي: من السرة إلى الركبة.
ومعنى هذا أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمام أختها المسلمة ، وقسمها الأعلى نصف بدنها الأعلى عار مكشوف ، وكذلك ما تحت ركبتيها.
والذي أريد أن أذكركم به هو أن نعلم قبل كل شيء أن هذا الحكم ليس له دليل في كتاب الله ، ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشيء آخر أن كتاب الله يدل على خلاف هذا التوسع في تحديد عورة المرأة مع أختها المسلمة.
إن العلماء يذكرون أن هناك بالنسبة للمرأة زينتين:
· زينة ظاهرة
· وزينة باطنة
وأخذوا هذا من آيتين كريمتين:
· الآية الأولى: قول ربنا تبارك وتعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا (31) سورة النــور
ولا يبدين زينتهن للرجال الأجانب ، إلا ما ظهر منها.
فالزينة الظاهرة لها علاقة بالأجانب.
والزينة الظاهرة كما ثبت في غير ما حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إنما هو بالنسبة للمرأة ، الوجه والكفان فقط ، وما سوى ذلك فهي الزينة الباطنة ، وهي التي لا يجوز لها أن تظهر شيئاً منها أمام الغرباء عنها.
· أما الزينة الباطنة: فهي مما أباح الله عز وجل أن تظهر لمحارمها كلهم ، ولنساء المسلمين.
في الآية المعروفة حين قال ربنا عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ}([2]) وهكذا يسرد ربنا عز وجل تتمة المحارم حتى يقول: {أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ}.
فقوله تبارك وتعالى:{أَوْ نِسَائِهِنَّ} فيه دِلالة صريحة على أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تُظهر من زينتها الباطنة ما تُظهر لأبيها ، ولأخيها ، وأختها ، وغير ذلك من المحارم.
فكذلك عورة المرأة مع المرأة المسلمة محدودة بهذه الزينة الباطنة.
ولنفهم ما ي الزينة الباطنة؟
يجب أن نرجع إلى ما كان عليه النساء في الجاهلية ، وقبل دخولهن في الإسلام ، وحينما آمن بالله ورسوله وتبنون الإسلام ديناً ، جاءت هذه الأحكام تبين لهن ، لهذه النسوة ما يجوز لهن بالنسبة للأجانب ، وهو الوجه والكفين فقط ن فهي الزينة الظاهرة.
وما يجوز لهن بالنسبة للمحارم وهي الزينة الباطنة.
فما هي الزينة الباطنة؟
هنا يجب أن نقف قليلاً عند تفسير العلماء لقوله تبارك وتعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية.
ما المقصود بهذه الكلمة:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}؟
هل المقصود الزينة نفسها؟
أم موضع الزينة؟
أي هل معنى الآية ، لا يبدين مواضع الزينة؟ ولو لم يكن عليها شيء من الزينة؟
أم المقصود لا يبدين تلك المواضع وعليها الزينة؟
قولان للعلماء ، ولا شك أ، القول الصحيح الذي اعتمده علماء التفسير ، إنما المعنى هو: (لا يبدين مواضع الزينة).
وليس المقصود: لا يبدين الزينة.
ذلك لأن المرأة إذا أخذت عِقْداً تضعه على صدرها ، في يدها ن فقد أبدت الزينة.
فهل هذا هو الذي نُهيت عنه؟
الجواب: لا.
وإنما نُهيت عن إبداء الزينة وهي في موضعها.
فإذاً المقصود من الآية: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ، أي مواضع الزينة ، إلا لهؤلاء المحارم ، ثم للنساء المسلمات كما ذكرنا.
ومعنى هذا أننا نستحضر في أذهاننا أن هناك مواطن لم يكن حتى هذه الساعة من عادة النساء أن يضعن زينة عليها.
مثلاً: هل في الفخذ زينة؟ الجواب: لا
هل في الظهر زينة؟ الجواب: لا
هل على الثديين زينة؟ الجواب: لا
هل تحت الإبط زينة؟ وعدوا ما شئتم ، كل الجواب: لا ، لا.
إذاً فربنا عز وجل في هذه الآية ، إنما أباح للنساء أن يُظهرن للمحارم مواضع الزينة من أبدانهن ليس إلا.
مواضع الزينة من أبدانهن لا أكثر من ذلك أبداً.
ولكي نتأكد من هذا المعنى يجب أن نستحضر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان"([3]) يعني تطلع إليها وأوحى إليها بما يوحي بإفتانها ، بمثل لو قال الشخص للآخر: أهلاً وسهلاً ، ما أجملك ، ما أحسنك ، ما أحلاك ، وهكذا.
"المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان"
إذاً هذه المرأة التي هي كلها عورة إلا ما استثنى الشارع.
فقد عرفنا من الزينة الظاهرة أن الشارع أكثر ما استثنى بالنسبة لزينتها الظاهرة أما الأجانب ، إنما هو الوجه والكفين فقط.
وبالنسبة للمحارم إنما استثنى مواطن الزينة .
فما هي مواطن الزينة التي كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
ذلك محصور في مواضع معروفة.
· أول ذلك مثلاً:الأساور في المعصم.
· ثاني ذلك: الدبلج التي أو الذي كان يوضع في العضد ، في عضد المرأة.
· ثالثاً: الطوق سلسلة توضع على الرقبة ، وعلى شيء من الصدر.
· أخيراً: الخلخال الذي أشار ربنا عز وجل إليه ، وبين أنه من الزينة الباطنة حين قال: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ (31) سورة النــور.
فكانت التي تنحرف ولو بعض الشيء عن الحجاب الشرعي ، والآداب الإسلامية التي يجب على المرأة المسلمة أن تتزين بها ، وأن تتخلق بها ن أنها تضرب بأرجلها ليسمع الرجال صوت الأجراس التي كانت توضع على الخلخال ، فيكون له رنة ، فهذه الرنة تلفت نظر الرجال إليها.
هكذا كان يفعل بعض النساء ، ولا سيما في أول الإسلام حينما كانوا حديث عهد به ، وأدبهن الله تبارك وتعالى بهذه الآية فقال: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ (31) سورة النــور
إذاً هذه آخر زينة معروفة في زمن الإسلام الأول.
فإذا ما أعلنا من الآية السابقة أن الله عز وجل أباح للنساء أن يظهرن مواطن الزينة ، وقد عرفنا هذه المواطن ن فينكشف لنا بوضوح ، ما هي المواضع التي يجوز للمرأة أن تظهر بها أمام أبيها وأخيها ، وابن أخيها ، ثم بالنهاية أمام نساء المسلمات.
إذاً عندنا الرأس حيث عليه شيء من الزينة في الأذنين والعنق كما ذكرنا.
ثم القدم وشيء من الساق الذي عليه الخلخال هذا.
هذه هي المواطن التي أباح الله عز وجل للمرأة أن تكشفها أمام محارمها ، وأيضاً أمام أختها المسلمة.
والآن كيف يعيش المسلمون في بيوتهم؟
يعيشون بتعرٍ ، النساء اللاتي لا يعرفن دين الله تبارك وتعالى.
لا أدري ما مبلغ هذا التعري في البيوت؟
لني حديث عهد بهذه البلاد ، لكن عندنا في سوريا ، وفي مصر ، حديث ولا حرج عن توسع الناس في بيوتهم بالتكشف ، تكشف المرأة عن شيء كثير من بدنها فوق ما أباح الله لها من إظهاره ، ألا وهو مواطن الزينة فقط.
مثلاً: قد ابتلينا باللباس القصير الذي ليس له أكمام ، اللباس الداخلي ، والذي بسمى في لغة العرب القديمة بـ(الثوبان) ، ويعرف اليوم بـ(الشورط) البنطلون (الشورط) القصير الذي يظهر دونه الأفخاذ.
فالنساء اليوم تلبس الأم والبنت مثل هذا اللباس القصير، فتجلس البنت أمام أمها ، بل أمام أخيها الشاب... فترفع رجلها ، وتضع على فخذها ، فيظهر فخذها مكشوفاً عارياً.
بحجة مـــاذا؟
بحجة أنه ما في أحد غريب ، هذا أخوها ، هذا خلاف الآية السابقة ، لأن الله كما ذكرنا إنما أباح الكشف عن مواضع الزينة ، فالفخذان لم يكونا يوماً ما مواطن للزينة ، وعسى أن لا يكون ذلك أبداً.
كذلك تخرج المرأة أمام أخيها ، فضلاً عن أنها تخرج كذلك أمام أبيها وهي عارية الزندين ، هذا خلاف النص السابق: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} .
وهنا العضد ليس زينة ، والإبط ليس زينة ، فكل هذا باقٍ على التحريم في حدود تصريح قوله عليه السلام: (المرأة عورة).
وأكثر من ذلك يقع ، تدخل المرأة الأم الحمام ، حمام المنزل ، فتأمر ابنتها بأن تدلك لها ظهرها ، فتكشف عن ظهرها ، وعن ثدييها ، والقسم الأعلى كما قلنا من البدن ، ولا حرج إطلاقاً .
من أين جاء هذا؟
مع أن الآية صريحة ، لأنه إنما أجاز ربنا عز وجل للمرأة أن تكشف فقط عن مواضع الزينة ، والصدر ليس موضع للزينة ، والظهر ليس موضع للزينة.
لذلك كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يعيشون في بيوتهم في حدود السترة التي رخص الله عز وجل لهن بها.
فلم يكن هناك هذا التعري الذي فشى اليوم في البلاد الإسلامية.
فأنا أريد أن أذكر بهذا المفهوم الصريح للقرآن ، وأن نتأدب بأدب القرآن ، ونؤدب بذلك نساءنا ، وبناتنا ، ولا نتأثر بالأجواء المحيطة في حولنا ، لأن هذه الأجواء إنما تحكي تقاليد أوروبية كافرة في الغالب.
[1] - قال الشيخ الألباني رحمه الله : (حسن): سلسلة الأحاديث الصحيحة (المجلد الأول) ( 426) ، صحيح الجامع الصغير (المجلد الأول) (3289).
[2] - وتمامها: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور
[3] - قال الشيخ الألباني رحمه الله: (صحيح): سنن الترمذي (9- كِتَاب الرَّضَاعِ/16- بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُغِيبَاتِ) (1173) ، سلسلة الأحاديث الصحيحة (المجلد السادس) (2688) ، صحيح ابن خزيمة
(1685) ، صحيح الجامع الصغير (المجلد الثاني) (6690) ، مشكاة المصابيح (المجلد الثاني) (باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات) (3109[12]) ، صحيح الترغيب والترهيب (المجلد الأول) (كتاب الصلاة/11 - الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة) (344) و(346) من حديث: ابن مسعود