أيام ويقبــــــــــــــــــــل علينـــــــــــا
شهر الرحمة والخير , شهر المغفرة والعتق من النار , شهر التفكر والتقوى، وتفريج الكربات، وتكريم الإنسان وتلاوة القرآن ,
شهر التكبير والتهليل والتحميد، شهر التواضع والمواساة، شهر التوبة والإنابة، شهر الصبر والثبات، والجود والجهاد ,
شهر الصوم والصدقة والبر , شهر الأخلاق الفاضلة والمحامد البالغة .
فها قد بدآنا فى العد التنازلى . أيام قلائل ويأتينا أعظم زائر .
فحيا الله شهراً هذي مآثره ::: وحيا الله عبداً فيه قواما
أيها الإخوة والأخوات لقد اختصنا الله تعالى بهذا الشهر إكراما لنا وتشريفا،
وهو شهر من لم ينتفع به ويجعله فرصة للتغيير فقد خسر خسرانا عظيما،
ورغم أنف من أدركه ولم يغفر له، أي لم ينتفع به، ولم يستزد منه.
يدخل رمضان بشموخه وعظمته وبركته، يدخل الشهر الذي أنزل فيه القرآن، ممتلئًا روحانيةً وعطاءً وبركة،
فنتلقاه بروحانية خاوية، ونفوس شعثة، وأبدان ملت من طول الفتور، وجفاف الأعين، وبخل الأيدي.
حتى إذا خالط قلوبنا لم تلبث تلك النفوس أن تلم شعثها ، وتلك القلوب النافرة أن تطمئن وتستكين، وتخشع وتلين،
وتلك العيون أن تسيل دمعاً دون تكلف.
فيا من يشكو قسوة قلبه وجفاف عينه، وقلة سكينته، هذا رمضان شهر التغيير قد أقبل فهو فرصة لك لتغير من حياتك،
يعينك على ذلك تدبر الآيات التي تقرؤها وسماعك للآيات تتلى بأصوات ندية فلكأنما تسمعها لأول مرة.
رمضان كنز من الفرص لمن أنار الله قلبه ووفقه ؛ فرصة للتدبر والتأمل في مستوى روحانيتك،
وفرصة للتزود من ألوان البر والعمل الصالح، فرصة لإخباتك بين يديه، والتذلل له جل وعلا،
فرصة لبث الشكوى من قسوة القلب، وتشتت الفكر، فأنت تبدأ رمضان وأنت بعيد عن الخشوع في الصلاة،
فلا تبرح أن ترزق خشوعاً، وأنت تبدأ رمضان بصلاة لا تكبر فيها حتى تسلم، لا تدري كم صليت،
ثم لا تبرح أن تقبل على صلاتك مهتماً بشأنها، تحسن ركوعها وسجودها، وتطيل قنوتها.
رمضان فرصة لتنظر في أملك في هذه الدنيا، وفي حياتك طولها وقصرها، و في الدنيا وغرورها، وفتنتها،
وفي الناس وآفاتهم، وآفات مخالطتهم. فرمضان قد جاءك لتغيير ذلك كله، لتحيا بروح جديدة.
ففي مجال العبادة يقبل رمضان بعنوان عريض هو الصبر، والعبادة ما هي إلا صبر ساعة،
فإذا كنت قبل رمضان من أولئك الذين يشق عليهم الصيام فإنك في رمضان يسهل عليك،
وإذا كنت ممن لا يطيقون قيام الليل فأنت في رمضان تقبل عليه بفرح وسرور،
وإذا كنت ممن لا يصلي في المسجد أو لا يخرج للصلاة إلا عند سماع الإقامة
فإن رمضان يناديك لتغيير هذا الخلل، ويدعوك للتشمير لإدراك آمين،
فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
وإذا كنت ممن يبخل على نفسه من الصدقة قبل رمضان فأنت تنفق بكل سخاء فيه.
وإذا كنت قليل الذكر قبل رمضان فإن أيام رمضان ولياليه كلها ذكر.
وهو فرصة لتغيير الفكر، حيث هو شهر التأمل والتفكر والإقبال على النفس لاسيما مع كثرة التذكير والوعظ،
فيقل الباطل الذي نتعرض له، فيحلق الفكر عالياً فتنكر بفطرتك التي نفضت عنها الغبار ما لم تنكره قبله،
حتى إذا سمعتها في رمضان سبق إلى لسانك قول " أستغفر الله "، ويكون الصفح والسماحة أصلاً في تفكيرك
وتمتثل دائما (اللهم إني صائم) في كل سكناتك وحركاتك.
فليكن إذن هذا الشهر حافزا لك لتعاود النظر في منهجك في التفكير والتعبد
متأملا قوله تعالى " اهدنا الصراط المستقيم" وانظر لتسليم قلبك لأمر الله،
وانظر لمشاقتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ترد قوله لهوى نفسك أو تقدم قول غيره عليه
أو تظن في شرعه نقصا فلا تبرح أن تزيد عليه مبتدعا غير متبع، وانظر لفهمك للقرآن،
أهو على فهم سلف هذه الأمة أم اتخذت لك فهما آخر بدعوى العقل وأنك رجل كما هم رجال!
ولا يدفعنك حب أحد – كائناً من كان- لتقليده دون تفكير أو روية، أو يحثك حب صاحب فتنهج نهجه،
وتدافع عن رأيه مع مخالفته لهدي العلماء الربانيين الذين لا يخافون في الله لومة لائم، والذين تجردوا من حظوظ الدنيا.
وهو فرصة لتغيير الهموم فبينا الناس يهتمون بالأكل والشرب والملبس والمسكن يكون همك العبادة والقبول والاهتمام بشؤون المسلمين،
والدعوة وإعانة المحتاجين، والتفكير في ذلك دائماً.
وهو فرصة لمراجعة حفظك لكتاب الله، وتلاوته، وتجويده وحفظه وتعلم تفسيره، وتعليمه لمن لا يحسن تلاوته.
ولما كان هذا الشهر شهر التغيير سريع المرور خفيف الظل لا يكاد يبدأ حتى ينتهي لزم أن يبادر العبد للاستعداد له
قبل دخوله ليحظى بالانتفاع بأيامه قبل أن تنصرم وبساعاته قبل أن تأفل شمسها.
وإني في هذه العجالة أشير إلى بعض الوسائل النافعة
الوسيلة الأولى:
الاستعداد النفسي , ويكون ذلك بالتهيئة للصيام والقيام وأعمال البر فقد هيأ النبي علية الصلاة والسلام
أصحابه حينما قال (هذا رمضان قد أظلكم) أي أقبل عليكم
ويكون ذلك بسماع المحاضرات والخطب والقراءة ومتابعة البرامج النافعة في الإذاعات الهادفة والقنوات العلمية
كإذاعة القرآن الكريم وقناة المجد العلمية وحضور مجالس الذكر ومجالسة الصالحين لتدارس ما يمكن فعله
في هذا الشهر مما يعود علينا بالنفع، مع تعلم الأحكام الفقهية التي نحتاج إلى مثلها وقد يفوتنا معرفتها في حينها
فنقترف ذنبا أو نقصر في قربى.
الوسيلة الثانية:
معرفة هدي النبي صلى الله علية وسلم في هذا الشهر كيف كان صيامه وقيامه وجوده وصدقته وجهاده و ذكره
وذلك بقراءة سيرته العطرة والاستماع لحديثه لما في ذلك من الاتباع لسنته والاهتداء بهديه
ككتاب زاد المعاد من هدي خير العباد لابن القيم وكتاب الشمائل المحمدية للترمذي، ومراجعة كتب السنة لاسيما كتاب الصيام.
الوسيلة الثالثة:
البحث عن هدي السلف في رمضان وكيف كانوا يستعدون للصيام وكيف يؤدون القيام وكيف كان تنافسهم في الخير
وذلك بالاطلاع على الكتب التي تذكر طرفاً من سيرهم ككتاب سير أعلام النبلاء للذهبي وحلية الأولياء لأبي نعيم ,
الوسيلة الرابعة:
كثرة الدعاء ببلوغه . فاللهم بلغنا رمضان
اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبلغنا رمضان
والدعاء دائما (اللهم سلمنا لرمضان وسلم لنا رمضان وتسلمه منا متقبلا)
والإعانة على العمل فيه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى هلاله يقول :
" اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام"
الوسيلة الخامسة
التعاون على العبادة، فقد تضعف الهمة إذا كان الإنسان بمفرده لكنه مع إخوانه ينشط فيكون التنافس حاثاً على الخير،
وإن مشاركة الإخوان لبعضهم ومعيتهم تسهل الوصول وتعين على النفس وتطرد الكسل.
ودائما يقولون . ان الذئب يأكل من الغنم الشاردة.
الوسيلة السادسة:
إعداد برنامج عملي للقراءة والمراجعة. والصلاة والدعوة وصلة الأقارب والالتزام به. وحث الأهل على فعل ذلك.
الوسيلة السابعة:
تدبر القرآن، فليس المقصود التغني بألفاظه والتلذذ بأصوات القراء، وإنما المقصود التأمل في معانيه والتأثر بأخباره والاتعاظ بمواعظه.
الوسيلة الثامنة:
ترك التكلف في الطعام والشراب وترك مطالبة الأهل بما يشغلهم عن الاستفادة من أوقاتهم بالعبادة وخاصة قبيل المغرب.
الوسيلة التاسعة:
تجهيز ما يحتاج إليه الأهل والأولاد قبل رمضان من الطعام ولباس العيد لئلا يكثر من التردد على الأسواق في تلك الأوقات الفاضلة.
الوسيلة العاشرة:
العزم على ترك المنكرات خاصة ما يعرض في القنوات الفضائية، ومحاولة إشغال النفس والأهل خاصة بعد الإفطار بما يبعدهم عن متابعة البرامج التي تتنافى وسمت البيت المسلم، ولا تضيف إلى الفكر إلا مزيداً من التسطيح لاسيما في رمضان، وجعل هذا الوقت للجلوس مع الجميع صغاراً وكباراً،
أولمطالعة مسألة فقهية أو للذكر، أوالقيام ببعض الأعمال المنزلية أو جعل هذا الوقت للراحة قبل القيام والصلاة.
الوسيلة الحادية عشر:
تنويع العبادات وعدم الاقتصار على القراءة والصلاة فقط لأن النفس تكلُّ وهي إذا كلَّت ملَّت.ولقوله صلى الله عليه وسلم
( اقرؤوا القرآن ما ائتلفتم عليه فإذا اختلفتم فدعوه) فالصدقة وتلمس الفقراء وإعانتهم و تفطير الصائمين
والقيام على شؤون المساجد وكتابة العلم وتعلمه ونشره كل ذلك من أعمال البر التي يؤجر عليها العبد.
هذا قليل من كثير
إن شاء الله لنا وقفات اخرى وكيفية إستغلال هذا الشهر الفضيل.
فهذة البداية وللحديث بقية باذنه تعالى.
أسأل الله الكريم المنان أن يمن علينا بالقبول في هذا الشهر الكريم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.