خامسًا: وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ يَثْرِبَ، فَتَمْنَعُونِي مِمَّاتَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، وَأَزْوَاجَكُمْ،
وَأَبْنَاءَكُمْ". فهذه هي الشروط الخمسة، فالإسلام يحتاج إلى من يريد أن يدفع لاإلى من يريد أن يأخذ،
يحتاج إلى من يريد أن يأخذ أجره في الآخرة فقط، ولايريد شيئًا من الدنيا.
بعد كل هذه الشروط والصعوبات الكبيرة، ما هو الأجر؟
وما هو المقابل لكل هذا؟
ما هو الثمن إذا صرفنا حياتنا لله؟
وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة واحدة فقط:
"وَلَكُمُ الْجَنَّةُ".
الشروط أكثر من أربعين كلمة، والثمن كلمة واحدة: الْجَنَّةُ.- وهذا أبو ذر يختلف مع بلال ويحتد الخلاف حتى يبلغ بأن يسب أبوذر بلال ولأن الجنة
تملؤ عقولهم وقلوبهم فكانت المشكلات تحل بينهم بيسروسهولة بالعفو والصفح فلا يبقى
لها أثر في قلوبهم (وكان أبو ذر من أشدالناس تواضعًا، فكان يلبس ثوبًا كثوب خادمه،
ويأكل مما يطعمه، فقيل له: ياأبا ذر، لو أخذت ثوبك والثوب الذي على عبدك وجعلتهما
ثوبًا واحدًا لك،وكسوت عبدك ثوبًا آخر أقل منه جودة وقيمة، ما لامك أحد على ذلك،
فأنتسيده، وهو عبد عندك، فقال أبو ذر: إني كنت ساببت (شتمت) بلالاً، وعيرتهبأمه؛
فقلت له: يا ابن السوداء، فشكاني إلى رسول الله، فقال لي النبي: "ياأبا ذر، أعيرته
بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، فوضعت رأسي على الأرض، وقلتلبلال: ضع قدمك على
رقبتي حتى يغفر الله لي، فقال لي بلال: إني سامحتك غفرالله لك، وقال: إخوانكم
خولكم (عبيدكم)، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل،
وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" (البخاري).
- ولتنظر أخي رحمك الله إلى البون الشاسع بيننا وبينهم حينما تنظرلحالنا حين الخلاف
سواء في الرأي أو الخلاف على بعض الأمور الدنيوية!!!
- روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(لما طعن حرام بن
ملحام رضي الله عنه وأرضاه يوم بئر معونة، وفي رواية حتى أنفذه بالرمح، أي أن الرمح
اخترق الظهر وخرج من الصدر، لنتخيل هذا الموقف،ونعيشه جيدًا، هذا في عرف الناس
مُنْتهي تمامًا، فقد كل شيء، ولكننا نجده يقول: الله أكبر، فزت ورب الكعبه). - لم يتأوه أو يتألم كما نفعل نحن حينما تخدش جلودنا ونصاب بإصابات بسيطة!!. ولعلى
أذكر حادثة لأحد التلاميذ في مدرسة إسلامية يحرص المعلمين فيها على غرس القيم
لإسلامية في نفوس التلاميذ وحدثت هذهالحادثة للتلميذ في الطريق العام وكسرت ساقه.
مما أبهر المارة أن التلميذ لم يتأوه أو يتألم ولكنه كان يرددبصوت عالٍ كلما اشتد عليه
الألم (لا إله إلا الله) ولا يزيد على ذلك فأبكىالحضور من شدة التأثر!!!
- هذا صحابي آخر يمر على الفاكهة وقد أعدت للبيع ويشتهيها ولا يجدمن المال ما يكفي
ليشريها فيرفع يده مسلمًا عليها وعلى صاحبها قائلاً(السلام عليكم والموعد الجنة)،
وحلت مشكلة ضيق ذات اليد ببساطة ويسر دون حدوث عقد نفسية أو يمتلئ قلبه حقد على
المجتمع أو دون أن يشكو ربه أو يمد يده للناس وهو حينئذ يمتلك في نفسه غنى ورضا
وقناعة لا يمتلكهم الكثير منأصحاب المليارات.
هذه بعض النماذج على سبيل المثال لا الحصر من صحابة رسول الله صلىالله عليه وسلم
وحالهم مع الجنة وهم لم يكونوا ملائكة بل بشر يأكلون ويشربون يخطئون ويصيبون ولكن
حالهم كانوا يهتفون يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها إلى أن يقول أحدهم: أنا
ماحسدت الكافرين وقد غدو في نعمة ومواكب وقصور بل محنتي أن لا أرى في أمتي
عملا تقدمه صداق الحور.فما حالنا نحن من الجنة!!!؟
حالنا مع الجنةلا بد إذن، ولا بد لنا من وقفة نتساءل فيها:
لماذا لا نتفاعل مع الجنة كما كان يتفاعل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟
نعم نحن نحب الجنة ونخاف من النار، ولكن هل تملأ قضية الجنة علينا حياتنا كما كانت
تملأ على الصحابة حياتهم؟
وهل نعايشها المعايشة التي كان يعايشها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ - الناظر والمتأمل لحالنا يرى أن حجم الدنيا في قلوبنا أكبر بكثيرمن الجنة وهذا سبب لما
نعاني من مشكلات عبادية وأخلاقية وسلوكية واجتماعيةواقتصادية بل حتى السياسية. كم
منا يحزن إذا فاتته صلاة الفجر التي هي أحدالفروض؟
كم تحزن إن وجدت صديقًا أو شابًا أو فتاة بعيدين عن الله، ها هورسول الله صلى الله
عليه وسلم يبكي ويتألم حين مرت به جنازة يهودي فقيل لهإنه يهودي يا رسول الله فيقول
صلى الله عليه وسلم
"لقد فر مني إلى النار". من منا يحرص أن يقول كلمة الحق ويشهد شهادة الحق لا يخشى في الله لومة لائم؟ ما أحوجنا لأن نملأ قلوبنا بالجنة
إن المسلم في كل زمان ومكان في حاجة لأن تملأ الجنة قلبه وخاصة في زماننا الذي
نعيشه
- فالذي يشكو من ضيق ذات اليد لو تعلق قلبه بالجنة ما قال ربأهانن وما مد يده لأحد
ولرزقه الله عفة وقناعة وسعادة وراحة بال يحسدهعليها الكثير من الأغنياء.
- والشاب الذي يسعى ويجد في عمله ولكنه لا يمتلك باءة الزواج لوتعلق قلبه بالجنة
وحور عينها لهان عليه غض بصره عن نساء الدنيا ولرزقهالله صبرًا وعفةً يعجل الله له
بهما رزق الزواج ولجعله الله من الثلاثة الذين جعل الله حق عليه ليعينهم ومنهم (من يبغي عفة).
- والمهندس الذي يرصف طريقًا وتعرض عليه الرشاوى التي تجعله من أصحاب الملايين
مقابل التنازل عن المواصفات الفنية مما يؤدي إلى وقوع مئات الحوادث وقتل الآلاف
سنويًّا لو تعلق قلبه بالجنة لرفض هذه الملايين الحرام ولا يرضى بديلاً من تطبيق
المواصفات الفنيه فيأخذ أجر
﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة:من الآية 32
). فيغنيه الله من الحلال بزوجة تقية نقية قنوعة مدبرة وأولادصالحين متفوقين
وسيرة طيبة يحفظ الله بها أولاده وذريته من بعده وكل هذالا يستطيع الإنسان شراءه
بالملايين بل بالمليارات من المال.
- والطبيب والممرض الذي يتعلق قلبه بالجنة يسهر على راحة مرضاه يخفف عنهم آلامهم
وبالرغم من السهر والتعب والمقابل الدنيوي الزهيد إلاأنه يشعر بلذة وسعادة.
- والمحامي الذي تعلق قلبه بالجنة لا يستطيع أن يدافع عن ظالم أومرتكب جريمة مهما
كانت الملايين المعروضة عليه وشعاره وما عند الله خيروأبقى.
- ورجل الأعمال والتاجر الذي تعلق قلبه بالجنة لا يحتكر سلعة ولايغش ولا يستورد طعامًا
ولا شرابًا ولا مبيدًا يضر بصحة الناس حتى لو جلبله ذلك المليارات فعن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلىالله عليه وسلم
"التاجر الصدوق الأمين
مع النبيين والصديقين والشهداء" رواه الترمذي. - والإعلامي والسينمائي الذي تعلق قلبه بالجنة لا يقبل أن يعرض على الناس ما يطمس
هويتهم الإسلامية أو ينال من قيمهم الاجتماعية ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون من
الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
- والزوجة التي تعاني شظف العيش مع زوج قدر الله عليه رزقه لوتعلق قلبها بالجنة
لصبرت على شظف العيش ولخاطبت زوجها وهي تودعه اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا من
حلال فإنا نصبر على جوع الدنيا ولكننا لا نصبر علىنار جهنم وهذه التي تصبر على سوء
خلق زوجها لأعطاها الله ما أعطى امرأة فرعون على صبرها والزوج الذي يتعلق قلبه
بالجنة لكان أكثر قدرة على الصبرو العفو عن زوجته حتى لو كانت تسيء إليه وصبر
عليها لأعطاه الله ما أعطى أيوب عليه السلام على صبره. وما أحوجنا أن نربي زوجاتنا
وبناتنا على هذاالحديث
من بريدى