[[b]size=24][b]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المتقين نزلاً , زينها وجملها وأفاض على أهلها من النعم وكساهم من الحلل لتكون مستقراً ومقاما لهم , لا يبغون عنها حولا ويسر المكلفين للأعمال وهداهم النجدين , ليبلوهم أيهم أحسن عملا ..
نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره , أرسل الرسل وأنزل الكتب , وأقام الحجة على خلقه فهم لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم هملا , ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبده ورسوله , دعا إلى الحق وأوضح الحجة ومهد الطريق إلى دار السلام , صلى الله وبارك عليه وعلى أزواجه وذريته وصحبه والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين ...
وبعد :
فإن القرآن الكريم رغب عباد الله المتقين في الجنة فخصها لهم وجلاها وفصل في بيان نعيم وفضل سكانها وأوضح أنواع المسرات ..
حتى إن القارئ لكتاب الله عز وجل المتأمل في آيات وصف الجنة , يرى ببصيرته أنواعاً من النعيم المقيم والبهجة والمسرة مالم يخطر على قلب بشر ولا سمعته إذن ..
فدار الفردوس دار مهيأة من قبل الخالق جل وعلا أيما تهيئة , غرف مبنية فاقت منازلها وصف كل واصف وتخطيط كل مخطط , كيف لا وهي صنعة رب العالمين , فجل من تقدس وسواها وبناها
تجلى لهم رب السماوات جهرة *** فيضحك فوق العرش ثم يكلم
سلام عليكم يسمعون جميع *** بآذانهم تسليمه إذ يسلم
يقول سلونى ما اشتهيتم فكل ما *** تريدون عندى أننى أنا أرحم
نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته : أن يوفقنا لصالح الأعمال والأقوال والأخلاق , سبحانه لايهدي لأحسنها إلا هو ..
كما نسأله سبحانه أن يبلغنا دار المقامة ويسكننا أعالي جنانه ...
[/size][size=25]الفصـل الأول :
نعيـــم أهـل الجنــــــــــــة
معـنــــــى نعيـــم الجنـــــة :
الجنة لغة :الحديقة ذات الشجر و النخل و جمعها جنات .
اصطلاحا:هي الاسم العلم أو الاسم الشخصي للمكان الذي وعد الله عز وجل عباده المتقين .
أما النعيم في الآخرة هو :ما أعده الله لعباده المؤمنين في الجنة من عيش رغيد طيب و طمأنينة وسعادة لا يشبهها شيء في الدنيا وفوق ذلك رضوان الله عليهم ورؤيتهم له سبحانه
أسمـــــاء الجنــــة:
ذكر الله سبحانه الجنة بعدة أسماء وهذا يدل على أهميتها ،فهي رحمة من رحماته ويدخل إليها من يشاء من عباده و منها :
الجنة :و
هي الاسم المعروف ، دار السلام :لأنها دار الله فهو السلام وهي داره التي أعدها للمؤمنين ،دار الخلد :لأن نعيمها و أهلها خالدون فيها لا يخرجون منها ولا يصيبهم الموت ،وغيرها من الأسماء
أبـــــــواب الجنـــة:
ورد في كتاب الله أن للجنة أبوابا فقال سبحانه( و سيق الذين أتقوا ربهم الى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ).
فأبواب الجنة ثابتة في الكتاب والسنة أن عددها ثمانية أبواب و جاء في الصحيحين ( في الجنة ثمانية أبوب ،باب منها يسمى الريان ، لا يدخله إلا الصائمون ).
ونقول في سعتها ما ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال (والذي نفس محمد بيده ،أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما مكة وبصرى ).
مســـــــــاكن أهل الجنـــة:
يقول سبحانه ( وعد الله المؤمنين و المؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و مساكن طيبة في جنات عدن و رضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ) .
فالمساكن التي ذكرت في القران و الأحاديث النبوية ثلاثة أنواع القصور ،و الغرف ،والخيام .
أما القصور فأن في الجنة قصور أعدها الله لعباده المؤمنين،فعن جابر بن عبدالله قال :قال رسول صلى الله عليه وسلم :
( دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت:لمن هذا ؟ فقال: لرجل من قريش ،فما منعني أن أدخله يا أبن الخطاب إلا ما أعلم من غيرتك ،قال :وعليك أغار يا رسول الله ؟!! ) .
وبناء هذه القصور في الجنة من الذهب و الفضة وليست من الحجارة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لبنة من ذهب ولبنة من فضة ).
ومما أعده الله للمؤمنين في الجنة من النعم : الغرف المبنية فهذه الغرف ثواب الأيمان الصادق والأعمال الصالحة في الحياة الدنيا . ومن صفات تلك الغرف أن الأنهار تجري من تحتها ، ويستمتع أهلها بالنظر إلى الأنهار من شرفات الغرف العالية الرفيعة البناء .
و في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ، قالوا :يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ،قال : بلى و الذي نفسي بيده رجال أمنوا بالله و صدقوا المرسلين ).
والملائكة يدخلون على أهل الجنة في بيوتهم من أبواب تلك الغرف
قال تعالى : [{ و الملائكة يدخلون عليهم من كل باب }.
ومن المساكن التي أعدها الله وذكرها في القران الخيام فقال سبحانه { حور مقصورات في الخيام }
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤه واحدة مجوفة طولها ستون ميلاًًًًًًً،للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا ).
أن هذه الخيام غير الغرف و القصور وأنها تضرب لهم خارج مساكنهم في البساتين و على شواطئ الأنهار .
أنواع النعيم المادي في الجنة :
وهنا نعرض ألوان النعيم المادي المحسوس في الجنة كالطعام و الشراب و الآنية واللباس والحلي و الأثاث وغير ذلك .
طعــــام أهـل الجنــــــة :
أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولكن هذا الأكل ليس للجوع أو لحاجة الجسم إلى الغذاء ،بل هو للتفكه والالتذاذ ،لأن أجسام أهل الجنة و تركيبها مختلف عن أجسامهم في الحياة الدنيا .
وأهل الجنة ليس لطعامهم وقت مخصوص بل يأكلون ما يريدون متى شاؤوا قال تعالى { وفاكهة كثيرة لا مقطوعة و لا ممنوعة }
والله ذكر أنواع من المطعمات في الجنة وذكرها لا يدل على اقتصار طعام أهل الجنة عليها والتي ذكرت هي الفاكهة واللحم قال تعالى { و فاكهة مما يتخيرون و لحم طير مما يشتهون }.
شراب أهل الجنة :
ذكر الله سبحانه أن أهل الجنة يشربون الشراب الهنيء الطهور قال تعالى { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا } فشراب أهل الجنة من الأنهار والعيون التي تتصف بصفات أحسن من أنهار وعيون الدنيا .
أما ماء الجنة فقد قال سبحانه عنه { فيها أنهار من ماء غير آسن }، فهو لا يتغير طعمه و لا ريحه وإن طال مكثه .أما اللبن يبقى كما هو لا يتغير طعمه للحموضة القارصة قال تعالى { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } .
أما العسل فهو مصفى من كل الشوائب قال تعالى : { وأنهار من عسل مصفى }.
وأكثر الله من ذكر خمر أهل الجنة و صفاتها في القران وذلك لتعلق العرب بها في الجاهلية فقال عز وجل { وأنهار من خمر لذة للشاربين } .
والله نزه الخمر عن صفاتها السيئة في الدنيا روي عن ابن عباس انه قال "في الخمر أربع خصال السكر،والصداع،والقيء،والبول،.
وقد ذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال".إما السكر فنهاه الله عن خمر الجنة،فقال : { لافيها غول ولاهم عنها ينزفون } وفسر الراغب النزف بأنه ذهاب العقل.فشراب أهل الجنة من الماء واللبن والخمر والعسل وغيرها مما أعده الله لآهل طاعته،مما لا يخطر على قلب بشر.
آنية أهل الجنة:
ذكر الله سبحانه في كتابة العزيز آنية أهل الجنة التي يقدم لهم عليها طعامهم وشرابهم،فقال : { ادخلوا الجنة انتم وأزواجكم تحبرون*يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون } .
ومن خلال تتبع الآيات الكريمة التي تتحدث عن آنية أهل الجنة نجد إن الآنية المذكورة أربعة أنواع :
الصحاف ،والأكواب ،والأباريق ،والكؤوس
.وسنتحدث الآن عن هذه الأنواع كلاً على حده
الصحاف :
قال عز وجل عنها : { يطاف عليهم بصحاف من ذهب }والصحاف تستعمل للطعام ،
وهي أصغر من القصعة.
وذكر سبحانه من إن صحاف الآخرة من الذهب الخالص،ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة،ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ".
الأكواب:
ذكر سبحانه أن أكواب الجنة من الذهب و الفضة وأنها موضوعة قال تعالى { وأكواب موضوعة } أي موجودة بكثرة لشربهم لأنها موجودة بين أيديهم للاستمتاع بها .
الأباريق :
قال تعالى : { يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين } .
وروى البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن حوضه : { وأن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء } فالأباريق هي أنية لها عروة و خرطوم وعنق طويل .
الكؤوس :
الكأس الإناء بما فيه من الشراب وعلى هذا فأن الكأس يطلق على كل أناء لا عروة له و لا خرطوم وهو أصغر من الكوب قال تعالى { و يطاف عليهم بكأس من معين }
لباس أهل الجنة :
ذكر الله سبحانه أن أهل الجنة يلبسون فيها ما يستر عوراتهم وليس من أجل دفع البرد أو الحر .
وقد ثبت في الكتاب والسنة أن لأهل الجنة ملابس يلبسونها فقال تعالى
{ و يلبسون ثيبا خضرا من سندس و إستبرق } و قال صلى الله عليه وسلم في وصف من يدخل الجنة ( ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه و لا يفنى شبابه ) .
ولنساء أهل الجنة ثياب كثيرة ولكنها لا تمنع رؤية جمال جسمها لزوجها قال صلى الله عليه وسلم ( أن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة ) فثياب أهل الجنة متعددة و متنوعة وهي أصناف على حسب الأعمال وقد وصف عليه السلام سوق الجنة وملاقات المؤمنين لبعضهم البعض وما يشاهدونه على بعضهم من الملابس .
فيقول صلى الله عليه وسلم : يلقى أهل الجنة بعضهم البعض فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقى من هو دونه ( وما في الجنة دنيء )،
فيروعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل له عليه أحسن منه وذلك أنه لا ينبغ لأحد أن يحزن فيها ).
وذكر سبحانه في كتانه العزيز أن لباس أهل الجنة على ثلاثة أنواع ، الحرير ،و السندس ،و الإستبرق فقال سبحانه وتعالى { و لباسهم فيها حرير } و قال عز وجل { يلبسون من سندس و إستبرق متقابلين }
الحرير :
فهو مارق من الثياب و قوله تعالى في ألآية السابقة دليل على أن كافة ملابس أهل الجنة من الحرير وذلك الحرير لا يشبه حرير الدنيا أنما تشابه في الأسماء فقط .
السندس :
فهو رقيق الديباج وقد جمع الله بين رقيق الديباج و الأستبرق وهو غليظ الديباج للجمع بين النوعين .
الإستبرق :
فهو ثخين الديباج و قيل هو الديباج المنسوج من الذهب .
وذكر سبحانه أن بعض ثياب أهل الجنة خضراء فقال { و يلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق }
و اللون الأخضر دال على الخير و السعة وهو محبب الى النفوس و القلوب و خص بالذكر لأنه الموافق للبصر لأن البياض يبدد البصر ويؤلم و السواد يذم و الخضرة بين البياض و السواد .
حلي أهل الجنة :
من أنواع النعيم المادي لأهل الجنة الحلي فقال عز وجل { يحلون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤا }
وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ من الوضوء ) أما أنواع الحلي التي ذكرت في القران فهي الأساور فقط ونحن نعلم أن الحلي لا تقتصر على الأساور بل هناك التيجان و غيرها أما التيجان فهي ما يزين به الرأس من الذهب و الفضة و الأحجار الكريمة ، وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن أهل الجنة يلبسون التيجان و هي أنواع فمنها تاج الكرامة و تاج الوقار وهي مرصعة باللؤلؤ و الياقوت ،
وروى الترمذي و الأمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذكر أهل الجنة فقال ( و أن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق و المغرب ) وتبين أن التاج الذي يلبسه صاحب القران ووالداه يسمى تاج الكرامة .
أثاث أهل الجنة :
في جنة الخلد التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، نجد هنالك أثاث لأهلها ذكره الله في كتابه العزيز قال تعالى { و نزعنا ما في قلوبهم من غل إخوانا على سرر متقابلين }
ولو استعرضنا الآية الكريمة التي تذكر أثاث أهل الجنة لوجدنا أنه أنواع عدة كالسرر،و الأرائك ،و الفرش و غير ذلك
الســـرر:
قال تعالى { على سرر متقابلين } فهذه الأسرة المخصصة لأهل الجنة لها صفات عدة فهي مصفوفة ،و موضونة ،
ومرفوعة وإذا كانت السرر في الدنيا تدل على التنعم و العيش الرغيد ويشترك فيها المؤمن و الكافر فهي في الآخرة خالصة للمؤمن قال تعالى
{ متكئين على سرر مصفوفة و زوجناهم بحور عين }
فالأسرة منسوجة و مصنوعة بعناية ودقة لأنها مصنوعة من الذهب و الياقوت و اللآلئ كما أنها تزين بالذهب و الياقوت و الجواهر مع الإتقان في الصناعة و النسيج .
الفـــرش :
قال تعالى : { متكئين على فرش بطائنها من إستبرق }
فقد وصف سبحانه الفرش بأنها مرفوعة وأن بطائنها من إستبرق إذا كانت هذه البطائن فما ظنك بالظاهر التي تشاهده العيون .
[/size]
هذه السرر و الفرش أنما هي لاستراحتهم وسمرهم ،ومضاجعة نسائهم و ملاقاة الحور العين وليست للنوم فلا نوم في الجنة .
يتبع ان شاء الله فى الجزء الثانى
[/color][/b][/b]