إن من أكبر المعاصي المتفشيه في مجتمعاتنا في عصرنا الحاضر ؛ الغيبه ؛ لهذا إخترت هذا الموضوع
لا تطيب مجالس الناس اليوم إلا بتناول وجبة دسمة من لحم أحد المسلمين، ينهش الجالسون في لحم هذا الشخص، كل منهم يتناول قطعة منه، فلا يشبعون ولا يملون من تكرار تناولها كلما اجتمعوا، حتى أصبحت رائحة الغيبة المنتنة تفوح من المجالس.
فإلى من أدمنوا أكل لحوم البشر أقول:
إن الغيبة مرض خطير، وداء فتاك، وسلوك يفرق بين الأحباب، وقد نهانا الله - تعالى - عن الغيبة؛ فقال: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} [الحجرات: 12].
والغيبة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه))، قيل: يا رسول الله، إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته))، وما يكرهه الإنسان يتناول خلقه وخلقه ونسبه، وكل ما يخصه.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني: أنها قصيرة - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))؛ أي: خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه؛ لشدة قبحها.
والغيبة من كبائر الذنوب، وهي محرمة بإجماع المسلمين؛
فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كل المسلم على المسلم حرام: ماله وعرضه ودمه)).
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق)).
والقائل والمستمع للغيبة سواء؛ قال عتبة بن أبي سفيان لابنه عمرو: يا بني، نزه نفسك عن الخنا، كما تنزه لسانك عن البذا؛ فإن المستمع شريك القائل.
لذلك لا تعجب حين تجد القرآن الكريم يصور الغيبة في صورة منفرة، تتقزز منها النفوس، وتنبو عنها الأذواق؛ قال تعالى: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} [الحجرات: 12]، فشبه أكل لحمه ميتا المكروه للنفوس غاية الكراهة باغتيابه، فكما أن الناس يكرهون أكل لحمه، وخصوصا إذا كان ميتا، فكذلك فليكرهوا غيبته، وأكل لحمه حيا؛ قال السعدي - رحمه الله -: وفي هذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر؛ لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر. اه.
فمثل المغتاب كمثل الكلب، فالكلب هو الحيوان الوحيد الذي يأكل لحم أخيه بعد موته ..
والمغتاب يعذب في قبره بأن يخمش وجهه بأظفاره، حتى يسيل منه الدم، ففي ليلة المعراج مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: ((من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)) ..
وعن ابن عمر قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: ((يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله)) ..
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: عليكم بذكر الله؛ فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء ..
وقال الحسن البصري - رحمه الله -: والله، للغيبة أسرع في دين الرجل من الأكلة في الجسد ..
وعن الحسن البصري - رحمه الله - أن رجلا قال له: إنك تغتابني فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي ..
وقال ابن المبارك - رحمه الله -: لو كنت مغتابا أحدا، لاغتبت والدي؛ لأنهما أحق بحسناتي ..
اللهم اغفرلي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات الى يوم الدين